Sunday, June 26, 2011

المواطنة في ظل المرجعية الإسلامية المفكر محمد عماره


المواطنة في ظل المرجعية الإسلامية

المواطنة في ظل المرجعية الإسلامية - د. محمد عمارة

هل المواطنة لا بد أن تكون علمانية؟!‏
وهل تحقُّقُها يستلزم التخلي عن المرجعية الإسلامية في القانون والتشريع؟
 إن المواطنة مفاعلة -أي تفاعل- بين الإنسان المواطن والوطن الذي ينتمي إليه ويعيش فيه‏,‏ وهي علاقة تفاعل‏؛ لأنها ترتِّب للطرفين وعليهما العديد من الحقوق والواجبات‏؛ فلا بدَّ لقيام المواطنة أن يكون انتماء المواطن وولاؤه كاملين للوطن‏، يحترم هويته ويؤمنُ بها وينتمي إليها ويدافع عنها بكل ما في عناصر هذه الهويَّة من ثوابت اللغة والتاريخ والقِيَم والآداب العامَّة‏,‏ والأرض التي تمثِّل وعاءَ الهوية والمواطنين‏,‏ وولاء المواطن لوطنه يستلزم البراء من أعداء هذا الوطن طالما استمرَّ هذا العداء‏.‏
 وكما أن للوطن هذه الحقوق -التي هي واجبات وفرائض- على المواطن‏,‏ فإن لهذا المواطن على وطنه ومجتمعه وشعبه وأمته حقوقًا‏ كذلك، من أهمها المساواة في تكافؤ الفرص‏,‏ وانتفاء التمييز في الحقوق السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة بسبب اللون أو الطبقة‏ أو الاعتقاد‏,‏ مع تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يجعلُ الأمَّة جسدًا واحدًا,‏ والشعب كيانًا مترابطًا‏,‏ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد الواحد بالتكافل والتضامن والتساند والإنقاذ‏.‏

وإذا كان التطور الحضاري الغربي لم يعرف المواطنة وحقوقها إلا بعد الثورة الفرنسيَّة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي؛ بسبب التمييز على أساس الدين بين الكاثوليك والبروتستانت‏,‏
وعلى أساس العِرْق بسبب الحروب القوميَّة‏,‏
وعلى أساس الجنس بسبب التمييز ضد النساء‏,‏
وعلى أساس اللون في التمييز ضد الملوَّنين‏؛
  فإن المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات قد اقترنتْ بظهور الإسلام‏,‏ وتأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة سنة واحد هجرية (‏622‏م‏) على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم )وتحت قيادتِه‏.

فالإنسان -في الرؤية الإسلاميَّة- هو مطلق الإنسان‏,‏ والتكريم الإلهي هو لجميع بني آدم
 {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَالإسراء: ‏70.
 والخطاب القرآني موجَّه أساسًا إلى عموم الناس‏,‏ ومعايير التفاضل بين الناس هي التقوى المفتوحة أبوابها أمام الجميع
 {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ‏13]‏.
 بل قد جعل الإسلام الآخر الديني جزءًا من الذات‏,‏ وذلك عندما أعلنَ أن دين الله على امتداد تاريخ النبوات والرسالات هو دين واحد‏,‏ وأن التنوُّع في الشرائع الدينيَّة بين أمم الرسالات إنما هو تنوُّع في إطار وحدةِ هذا الدين
 {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48‏].

ولقد وضعت الدولة الإسلاميَّة فلسفة المواطنة هذه في الممارسة والتطبيق‏,‏ وقننتها في المواثيق والعهود الدستوريَّة منذ اللحظة الأولى لقيام هذه الدولة في السنة الأولى للهجرة‏؛

 ففي أوَّل دستور لهذه الدولة تأسَّست الأمَّة على التعدديَّة الدينية‏,‏ وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المتعدِّدين في الدين والمتحدين في الأمَّة والمواطنة‏,‏

فنصُّ هذا الدستور -صحيفة دولة المدينة- على أن اليهود أمة مع المؤمنين‏,‏ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‏,‏ وأن لهم النصر والأسوة مع البر من أهل هذه الصحيفة‏,‏ ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏..‏ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم‏,‏ وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏,‏ وأن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم.

هكذا تأسست المواطنة في ظلِّ المرجعية الإسلامية منذ اللحظة الأولى‏.‏
_,_._,___

No comments:

Post a Comment