Saturday, May 7, 2011

التسلّح العربي: أرقام خيالية.. يتعدّى ثلاثة تريليونات دولار بعملة اليوم



التسلّح العربي: أرقام خيالية.. يتعدّى ثلاثة تريليونات دولار بعملة اليوم
 










 منذ انتهاء الحرب الباردة في العام 1990، خفضت غالبية دول العالم ميزانياتها الدفاعية، ما عدا الدول العربية، على رغم اتّـجاه معظمها نحو الصلح مع إسرائيل، وعلى رغم زيادة عدد القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي العربية، وتوقيع غالبيّة هذه الدول اتّفاقات دفاعية وأمنيّة علنيّة وسرّيّة مع قوى غربية، أنهت كل ما تبقّى من هوامش استقلالية شكليّة لهذه الدول.

«المشاهد السياسي» ـ لندن

ما أنفق على التسلّح في العالم العربي تعدّى ثلاثة تريليونات دولار بعملة اليوم، وتشير المعلومات الصادرة عن تقرير لجنة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، الى أن حجم إنفاق دول الخليج العربي وحدها على التسلّح في العام المنصرم 2010 قد تجاوز 105 مليارات دولار أميركي، بزيادة تبلغ 11 مليار دولار عن العام الذي سبقه 2009، حيث اعتبرت المملكة العربية السعودية من أكبر المستوردين للأسلحة بين الدول العربية عموماً، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، إذ تجاوزت قيمة مشترياتها من الأسلحة مبلغ 40 مليار دولار.
ووفاقاً لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، احتلّت دولة الإمارات المتحدة المركز الثالث في قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم منذ عامين، إذ ابتاعت في العام 2008 ما نسبته 6 في المئة من مبيعات الأسلحة في العالم، فيما يتوقّع أن تنفق هي والسعودية مبلغ 123 مليار دولار على تسلّحهما في الأعوام الثلاثة المقبلة، بحسب تقرير لصحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية.
وفيما لجمت جيوش دول كبرى خطط تحديثها وتطويرها بفعل تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، فلا يزال الشرق الأوسط عموماً، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، يشكّلان أفضل سوق جذب لمصدّري الصناعات الدفاعية في العالم، إذ شهد عام 2010 اهتماماً كبيراً ومتزايداً من دول عربية عدّة، باقتناء أحدث ما توصّلت إليه التكنولوجيا الدفاعية المتطوّرة، إلى جانب تحديث برامجها التدريبية العسكرية.
وتركّز اهتمام عدد من دول مجلس التعاون الخليجي على التفوّق الجوّي، عبر السعي للحصول على أحدث المقاتلات مثل «تيفون» و«إف 15» للمملكة العربية السعودية و«رافال» و«إف إيه 18» للكويت والإمارات، وابتياع أنظمة الدفاع الصاروخي مثل «ثاد» لدولة الإمارات، إلى تعزيز القدرات البحرية لهذه الدول.
والأرقام التي أنفقتها الدول الخليجية في السنوات الأخيرة ليست إلا نذراً قليلاً من مجموع ما أنفقته الدول العربية مجتمعة على السلاح منذ 50 سنة ونيفاً، وهي أرقام تعجز ماكينـات الحسـاب عن تعدادها وتحسب بآلاف الملايين من الدولارات.
وعلى رغم نتائج الحروب الإسرائيلية ـ العربية التي انتهت بهزائم عربية، وجنوح العرب قاطبة للسلم، دافنين ما يطلق عليه مبادرة السلام العربية التي تبنّتها قمة بيروت في العام 2002، وكذلك تأثير الأزمة المالية العالمية في المنطقة برمّتها، فإن النظم العربية الرسمية لا تزال تشتري السلاح الأميركي وتكدّسه في مخازنها، علماً أن العديد من هذه الدول، ذات الفواتير التسلّحيّة الهائلة، مرتبطة بمعاهدات دفاع مشترك مع واشنطن، أي أنها تدفع ثمناً مزدوجاً، وهما الثمن السياسي والمليارات. وبينما يستمرّ شراء السلاح، لم تبادر أي دولة عربية الى إقامة مشروع واحد لصناعة الأسلحة. وشابت صفقات التسلّح، التي تتداولها الدول العربية بسرّيّة شديدة، الريبة والغموض؛ إذ تحوّلت المؤسّسات العسكرية العربية إلى وكر للمقاولات، ولتهريب الأموال إلى الخارج، ولعقد الصفقات المشبوهة التي تتمّ من خلال تجّار السلاح الذين يعقدون الصفقات المشبوهة والملتوية، وبوساطة شركات وهميّة وتحت معرفة الدول المنتجة للأسلحة وبغطاء منها ومباركتها.
بعد ارتفاع أسعار النفط في العام 1973 والنفقات الدفاعية العربية، تستنزف كل الطاقات المالية الناتجة من ارتفاع أسعار الطاقة في العالم، وهي إحدى الوسائل المستخدمة لاسترجاع أموال النفط، ومع ذلك فإن هذه الدول لا زالت غير قادرة على الدفاع عن نفسها.
وقد أثبتت الأحداث السياسية المتعاقبة عدم قدرتها على الردع، فكيف على التصدّي والصمود أمام هجوم محتمل!
وبالرغم من الأرقام الخيالية التي تنفق على التسلّح في العالم العربي، خصوصاً بعد حرب العام ١٩٦٧، فإن الصفقات الدفاعية العربية عموماً والخليجية خصوصاً، لا تخضع للمناقشة العلنية، بل هي سرّ من أسرار الدولة المكشوفة. ومع عدم وجود إعلام حرّ، وفي غياب وجود المعارضة السياسية، يسهل تمرير تلك الصفقات النازفة للاقتصاد المحلّي، ما يضمن تضخّماً في الحجم وفساداً في الاجراءات وضعفاً في القدرة التشغيلية، مع انعدام في الاستخدام بسبب عدم الحاجة أصلاً لها، أو عدم حدوث صراع ساخن يستهلكها، وبالتالي يبقى جزء كبير منها في المخازن يأكله الصدأ والزمن.
 وتعمد الشركات والدول الغربية إلى إثارة النـزاع والصراع الوهمي، والضغط على الحكومات في العالم العربي لاستيراد الأسلحة، غالباً عبر الرّشى السياسية، والعمولات الضخمة، وغالباً ما يرافق مثل هذه الصفقات أيضاً تسويات سياسية. ولأن قيمة الصفقات يوفّر فرص عمل وفوائد كثيرة للاقتصاد الأميركي، حتى قيل إن الصفقات الأخيرة ممكن أن تحقّق 77 ألف فرصة عمل في القطاع الدفاعي في 44 ولاية. ولذلك تتنافس الدول الغربية فيما بينها للحصول على حصّة ولو محدودة من سوق السلاح في الشرق الأوسط.
ومن بين الدول النامية العشر الأكبر من حيث قيمة التعاقدات الخارجية لشراء الأسلحة التقليدية خلال الفترة (1998ـ2005)، احتلّت الإمارات العربية المتحدة الترتيب الثاني (17.6 مليار دولار) بعد الهند (20.7 مليار دولار)، وجاءت المملكة العربية السعودية في الترتيب الرابع (14.6 مليار دولار)، وجاءت مصر في الترتيب الخامس (13.6 مليار دولار)، وجاءت إسرائيل في الترتيب السادس (9.5 مليارات دولار). وعلى رغم كل هذه الصفقات، فإن هذه الدول المتخمة بالسلاح، تسارع الى الاستنجاد بالدول الكبرى طالبة منها العون. وهنا يأتي السؤال: لمن ولماذا تعدّ الجيوش الجرّارة وتنشأ الكلّيّات الحربية وتعقد الدورات العسكرية، إذا كانت مهمّة الجيوش العربية تنحصر في حماية الأنظمة الحاكمة فقط، والمشاركة في الاستعراضات العسكرية في الاحتفالات الوطنية؟
والأنكى، فإن هذه الصفقات التي لا تؤثّر في ميزان القوى في الشرق الأوسط، تذهب أموالها الضخمة من طريق بناء الاقتصاد المدني والرفاه الاجتماعي، ومكافحة الأمّيّة والمرض والفقر المتفشين في جسم الأمّة العربية، حتى في دولها الغنيّة.
والسؤال هنا: لماذا، في سياق الثلاثة تريليونات دولار التي تنفق في العالم العربي على التسلّح، تقتني الدول العربية، من دون استثناء، هذا الكمّ من الأسلحة، علماً أنها مجتمعة كانت تطبّل للسلم مع إسرائيل، ولم تكن تتحفّز أو تستعدّ لأي معركة مع الكيان الصهيوني، ففلسطين في خبر كان، وأهلها منسيّون ومتروكون لصراعاتهم الصغيرة القاتلة؟
والجواب الطبيعي جدّاً، هو أن الهدف الرئيسي من تسلّح الدول العربية لم يكن حماية نفسها من التهديدات الإسرائيلية، بل كان لأخذ رضا القوى الكبرى وتأمين مصالحها. كما أن هناك مسألة أخرى لا تقلّ أهميّة، وهي أن مخاوف الدول العربية بعضها من بعضها الآخر، ومن نزاعاتها الداخلية، شكّلت موضوعاً محورياً لهذا التسابق على السلاح.

No comments:

Post a Comment