Friday, May 27, 2011

؟من قتل اللواء البطران؟


؟من قتل البطران؟
هذه جريمة غامضة تحولت إلى ما يشبه اللغز.

اللواء محمد البطران كان رئيسا لمباحث قطاع السجون، منصب أمني رفيع يجعله مسؤولا عن السجون في مصر كلها. اشتهر البطران بالجدية والاستقامة والكفاءة، وعندما قامت الثورة في 25 يناير، ارتكبت وزارة الداخلية بقيادة حبيب العادلي جرائم بشعة من أجل إخماد الثورة وصلت الى حد استعمال قناصة محترفين لقتل المتظاهرين العزل حتى وصل عدد شهداء الثورة الى ما يقرب من ألف شهيد، بالاضافة الى ألف وأربعمئة مواطن فقدوا عيونهم بالرصاص المطاطي، وآلاف المفقودين الذين ما زالوا مسجونين في أماكن مجهولة، أو ماتوا ودفنوا بعيدا عن الأنظار .. في يوم الخميس 27 يناير، بدأ نظام مبارك في تنفيذ خطوة إجرامية بشعة من أجل القضاء على الثورة المصرية. قرر العادلي وأعوانـه فتح السجون في مصر كلها وإطلاق السجناء الجنائيين من أجل تـأديب المصــريين وترويعهم، حتى يكفوا عن التظاهر، ويعودوا الى بيوتهم. كانت طريقة فتح السجون معروفة ومتكررة، تبدأ بأن يقوم ضباط السجن باستفزاز المسجونين حتى يتمردوا، ثم يطلقون الرصاص عليهم ويفتحون أبواب السـجن .. هكذا يتحقق الهدف مع تغطية مناسبة لموقف الضباط الذين سيــقولون فى التحقيق انهم قاوموا المساجينوأطلقوا النار، لكنهم في النهاية فشلوا في منعهم من الهرب. شدد العادلي على تنفيذ خطة اطلاق المساجين وطلب من قياداته إحالة كل من يمتنع عن تنفيذ التعليمات الى محاكمة عسكرية أو قتله ان لزم الأمر ( كما نشرت جريدة الشروق )... بما أن اللواء البطران كان المسؤول الأول عن السجون المصرية، فقد كان من المستحيل تهريب المساجين بدون موافقته أو استبعاده. تؤكد الدكتورة منال أخت اللـواء البطران أنه عرف بخطة العادلي بإطلاق المساجين ورفض تنفيذهـا من البداية. في مساء الخميس 27 يناير تم ابلاغ اللواء البطران بوجود شغب في سجن الفيوم فتوجه الى هناك فورا واستطاع أن يسيطر على السجناء ولم يتركهم حتى تأكد من عودتهم الى الزنازين وأغلقها عليهم. نجح الـلواء البــطران في إفشال مخطط العادلي وعلى مدى يومي الخميس والجمعة لم يفتح سجن واحد في مصر بفضل صلابة اللواء البطران ويقظته وإخلاصه. أدرك العادلي وأتباعه أن وجود البطران سيمنعهم من تحقيق الخطة. وفي صباح يوم السبت 28 يناير اتصل اللواء البطران بأخته وقال لها بالحرف:
«حبيب العادلي يريد أن يشعل النار في مصر كلها».



وفي الساعة السادسة مساء، تم ابلاغ اللواء البطران أن هناك تمردا جديدا في سجن القطا بالقليوبية، فتوجه من فوره الى هناك، الا أنه في الطريق تلقى نصيحة من إحدى قيادات الداخلية بالعودة الى بيته وعدم الذهاب الى السجن بحجة أن الضباط هناك سيتصرفون في الأمر. كان اللواء البطران يعلم أن غيابه سيؤدى بالقطع الى تهريب المساجين وبالتالي أصر على أداء واجبه وأسرع الى سجن القطا فوجد المساجين في حالة هياج، لأن ضابطا من السجن قد أطلق النار على مسجون وقتله. غضب اللواء البطران بشدة وصاح في الضابط القاتل:
ــ كيف تقتل مسجونا أعزل؟ سأحيلك الى محاكمة عسكرية وأنا الذي سأحاكمك بنفسي.



أعطى البطران تعليماته المشددة الى الضباط في كل أبراج الحراسة حول السجن بعدم اطلاق النار مهما تكن الظروف، ثم دخل بشجاعة لمقابلة المساجين وهو أعزل بدون سلاح كما تقضي لائحة السجون. استطاع البطران احتواء غضب المساجين وأقنعهم بدخول الزنازين.. عندئذ تأكد لأتباع العادلي أن الخطة ستفشل للمرة الثانية، فما كان من الضابط الذى قتل المسجون، الا أن أشار الى زميل له في برج المراقبة وأمره بإطلاق النار، فأطلق رصاصتين على اللواء البطران فسقط شهيدا في الحال. بقتل البطران أزيل العائق الأكبر أمام خطة العادلي فجرى فتح السجون المصرية وتهريب 24 ألف سجين جنائي .


اتهمت الدكتورة منال أخت اللواء البطران ضابطين يعملان في سجن القطا بقتل أخيها، حددتهما بالاسم في بلاغات متكررة للنائب العام ودعمت الاتهام بشهادات سجناء عديدين مسجلة بالصوت والصورة على «سيديهات» شاهدتها بنفسي وتم تقديمها كلها الى النائب العام.. هكذا نرى أن القضية واضحة غير أن ملابسات التحقيق فيها غريبة وغامضة:

أولا : أعلنت وزارة الداخلية في بيان رسمي أن اللواء محمد البطران رئيس مباحث سجن الفيوم، قد قتله السجناء أثناءهروبهم، بينما هو رئيس مباحث قطاع السجون، وقد استشهد في سجن القطا وليس سجن الفيوم، وقد أدت هذا البيانات المغلوطة الى تضليل الرأي العام مما صرف الأنظار لفترة طويلة عن مكان الواقعة وساعد على اخفاء المتهمين للأدلة التى تدينهما.
ثانيا: بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على مقتل اللواء البطران لم تفتح وزارة الداخلية تحقيقا في مقتله.. لا أعتقد أن أية وزارة داخلية في العالم يقتل فيها أحد قياداتها أثناء أداء عمله تمتنع عن فتح تحقيق لمعرفة الحقيقة.. السؤال هنا هل سمع وزير الداخلية الحالي منصور العيسوي بمقتل اللواء البطران ولماذا لم يفتح تحقيقا في الجريمة؟
ثالثا: بدأ سجال غريب بين النيابة العامة ووزارة الداخلية بشأن مقتل اللواء البطران. لقد طلبت أسرة الشهيد من النيابة الانتقال الى سجن القطا لمعاينة مكان الجريمة والاستماع الى شهادة السجناء على الطبيعة، الا أن النيابة العامة امتنعت عن الذهاب الى السجن بحجة أن وزارة الداخلية حذرتها من أن الحالة الأمنية في سجن القطا لا تسمح بالمعاينة.. ونحن نتساءل هل يمكن للنيابة العامة أن تحقق في جريمة قتل مركبة مثل مقتل اللواء البطران بدون معاينة مسرح الجريمة؟ سؤال آخر: اذا كانت الحالة الأمنية في السجن متوترة ألم يكن من الممكن الاستعانة بالشرطة العسكرية لحماية وكلاء النيابة حتى يؤدوا واجبهم على الوجه الأكمل؟
رابعا: قدمت أسرة الشهيد بلاغا للنـائب العام تتهم فيه بالاسم ضابطين من مباحث سجن القطا بالاشتراك في مقتل اللواء محمد البطران.. لكن النيابة بدلا من أن توجه الاتهام الى الضابطين المذكــورين قامت باستدعائهما كشاهدين على الواقعة.. وهذا تصرف غريب من النيابة لا نجد له تفسيرا.
خامسا: طلبت النيابة العامة تحريات الشرطة عن الجريمة من مباحث السجن الذى يعمل فيه الضابطان المتهمان بقتل البطران.. لا أفهم هنا كيف لم يدرك وكيل النيابة أن الضابطين المتهمين سوف يستعملان نفوذهما من أجل اعطائه تحريات مغلوطة. وهل كان يتوقع مثلا أن يرسل اليه الضابطان المتهمان تحريات تدينهما بتهمة القتل؟
سادسا: طلبت النيابة من وزارة الداخلية الاستماع الى شهادة السجناء الذين يظهرون في تسجيل بالصوت والصورة يؤكدون فيه أن البطران قتله الضابطان المتهمان، لكن وزارة الداخلية ردت على النيابة بخطاب تقول فيه انها لم تستدل على هؤلاء السجناء لأن أسماءهم ثلاثية وليست رباعية (!) بعد ذلك بأيام قليلة أحرق مجهولون مبنى مصلحة السجون مما أدى الى تدمير سجلات السجناء بالكامل.
سابعا: قدمت أسرة اللواء البطران بلاغا جديدا طالبت فيه باستبعاد وزارة الداخلية من جمع التحريات، حيث إن المتهمين، ضابطا شرطة، مما يجعل وزارة الداخلية غير محايدة، وطالبت أسرة الشهيد بأن تقوم الشرطة العسكرية بالتحريات، وقبل أن يجيب النائب العام على هذا الطلب أعلنت وزارة الداخلية، في اليوم نفسه، عن حدوث تمرد في سجن القطا، مما يحتم توزيع السجناء على سجون عديدة مختلفة. وهكذا سيضيع الدليل الأخير على ادانة القتلة ويتبدد حق الشهيد البطران الى الأبد..
لا يحتاج المرء الى ذكاء كبير ليدرك أن هناك قوة مستترة في وزارة الداخلية تحاول حماية المتهمين بقتل اللواء البطران. يجب هنا أن نتذكر أن معظم مساعدي حبيب العادلى ورجاله المخلصين ما زالوا في مناصبهم ولا يمكن أن نتوقع منهم أن يساعدوا في إدانة أنفسهم.


ان جريمة قتل اللواء البطران بقدر ما تقدم نموذجا نبيلا لرجل عظيم أدى واجبه للنهاية وقدم روحه فداء لأمن وطنه، الا أنها في الوقت نفسه تعكس بوضوح الأوضاع المعوجة التي تعيشها مصر الآن.. فبعد أن أسقطت الثورة رأس النظام وأسرته وأعوانه الكبار، لسبب غير مفهوم تم الابقاء على قواعد النظام كما هي سليمة لم تمس.. رؤساء الجامعات ومؤسسات الدولة المتعاونون مع أمن الدولة الذين طالما سبحوا بحمد مبارك وزوجته ما زالوا فيمناصبهم، أعضاء المجالس المحلية من أعضاء الحزب الوطني الذين حصلوا على مقاعدهم بالتزوير ما زالوا موجودين، معظم قيادات الاعلام المتعاونين مع أمن الدولة الذين طالما ضللوا الشعب المصري ارضاء للطاغية وحرضوا على قتل المشاركين في الثورة ما زالوا في الخدمة، حتى ضباط أمن الدولة الذين أهانوا كرامة المصريين وعذبوهم وهتكوا أعراضهم على مدى عقود تم نقل قطاع عريض منهم الى جهاز الأمن الوطنى الجديد.. مديرو الأمن الذين يحاكمون بتهمة قتل المتظاهرين ما زالوا في مناصبهم وبعضهم تمت ترقيته.. ماذا نتوقع من أتباع النظام القديم عندما نتركهم في مناصبهم؟ هل نتوقع منهم أن يساعدونا على تنفيذ مطالب الثورة وإتمام التغيير الذي سيؤدي بهم الى العزل والسجن؟ المنطقي هو ما يحدث الآن... ان الذين قاموا بتهريب 24 ألف مسجون جنائي لا بد أن يحتفظوا بوسائل اتصال بهم ليوجهوهم الى عمليات التخريب التي تشهدها مصر يوميا الآن، بينما رجال الأمن يتفرجون على المصريين ودماؤهم تسفك، ثم يخرج علينا وزير الداخلية العيسوي بعد كل مجزرة ليؤكد أن الأمن سيتحقق، ولكن بعد شهور.. طبيعي أن يتحد أتباع النظام القديم من أجل التآمر على الثورة ودفع بلادنا الى فوضى متصاعدة تجعلهم يفلتون من المحاسبة على جرائمهم... لا يمكن لأي ثورة أن تنجز أهدافها بدون تطهير شامل من كل العناصر الفاسدة التى سيظل ولاؤها دائما للنظام القديم. نحن نطلب من القوات المسلحة التى حمت الثورة وانحازت للشعب أن تفتح تحقيقا محايدا منفصلا في مقتل اللواء محمد البطران وأنا واثق أن نتيجة التحقيق ستكشف لنا مفآجات مذهلة، لأن اليد التى قتلت البطران والتي تخفي قاتله عن العدالة هي ذات اليد التي تتآمر على الوطن وتعمل على تخريبه وإشاعة الفوضى من أجل تعطيل التغيير..

مصر بدأت مستقبلها المشرق ولن يستطيع أحد أبدا أن يعود بها الى الظلام.
الديموقراطية هي الحل..

No comments:

Post a Comment